لماذا المسرح
كتابة/ حسين العراقي
عندما قال برنادشو ان المسرح هو كنيسة القرن العشرين، لم يكن يبحث عن استعارة متألقة يبهر بها عيون قرائه ولاشيء بعد هذا. وعندما سعى (برشت) الى تحويل رواد المسرح من مجرد متفرجين يتتبعون احداث المسرحية الى قضاة يحكمون على هذه الاحداث لم يكن يجري وراء التجديد وحسب.. وعندما وضع (لوركا) اذنه على قلب اسبانيا يتسمع نبضاته ثم يصوغها فناً ادبياً رائعاً.. لم يكن يتطلع الى (بعد) ادبي او سياسي يضع اسمه في الاخبار.. انما صور هؤلاء الثلاثة الكبار ما املته عليهم تجربتهم في المسرح وهو الصق العنوان بالحياة. وان الطريق لتغيير المجتمع والناس يمر حتماً بالمسرح ولايمكن ان يتخطاه.
فاذا اتفقنا على انه لا مقدس في المسرح الا المسرح نفسه وان سياسة المسرح نفسها ينبغي ان تكون موضوعاً للنقاش فقد وجب ان تنتقل الى نقطة اخرى هامة وهي ضرورة المسرح وحتمية وجودة وسط هذا الحشد العاتي من اجهزة الوصول الى الجماهير… الراديو… والتلفزيون.. والفيديو والسينـما لصحافة والكتاب.. الخ.
وثمة رأي يقول ما ضرورة المسرح وهو عملية شاقة كثيرة التكاليف مادتها الاساسية (المسرحية) غير متاحة دائماً كما انه ليس من السهل نقلها من مكان الى مكان كما يحدث في السينما. كما ان جماهيرها قليلة العدد بالقياس.. الى التلفزيون والسينما فلماذا لا نضمن الفنون التمثيلية ببرامج الاذاعة الصوتية والمرئية فنضمن وصولها الى اكبر قاعدة جماهيرية باقل التكاليف اذ ان بالامكان تمثيلها مرة واحدة فقط وحفظها بعد هذا للاعادة مرات غير محدودة وبنفس التكاليف الابتدائية!؟ والرأي يبدو منطقياً ومقنعاً ولكنه لدى التعمق خال تماماً من أي قدرة على الاقناع ذلك ان الحاجة تقدم الى المسرح بسبب وجود الوسائل الجماهيرية التي تقدمت الاشارة اليها. ان هذه الوسائل تحيل المتعامل معها الى مجرد مستقبل سلبي لادور له الا مجرد امتصاص المادة المقدمة.. دون ان يكون له نصيب واضح في تشكيلها بل دون ان يكون له الحق.. في هذا التشكيل ابتداء ومهما قال المتشائمون وانصارهم ان الناس تبحث عمن يطعمها وتكره ان تبحث بنفسها عن الطعام فان التجربة تقول ان كلاً منا يبحث عن دور يحبه ويريد ان يؤديه… فاذا وجد من يؤديه عنه لم يشعر بالسعادة وانما احس بالضياع والدليل على هذا نجده في الاقبال الهستيري على مباراة كرة القدم في بلادنا وفي بلاد العالم الاخر.. ان هذا الاقبال يرجع الى ان المباريات تعطي كل متفرج حقه في ان يشكل المباراة ويتدخل في مستوى اللعب بالتشجيع والتسخين.. ان يتخيل نفسه واحداً من اللاعبين وانه ينفس عن رغباته المكبوتة عن طريق اللاعب الذي يختاره ممثلاً له والذي يقدم نيابة عن المتفرج بكل البطولات التي يتوق المتفرج نفسه الى القيام بها في عالم الواقع فلا يستطيع (باختصار المتفرج يتحول بالوساطة الى لاعب) وبهذا يصبح له دور في المباريات ومثل هذا يحدث في المسرح على مستوى العواطف والافكار.
كل منا له دور يحبه ويريد ان يؤديه فاذا حالت الظروف المحيطة بينه وبين هذا لجأ الى الخيال انه يرى خصمه في شريرها او الشخص الذي يتناوله النقد فيها. والمتفرج في المسرح يقابل ممثليه وجهاً لوجه يشعر بهم ويشعرون به ويقوم بين الطرفين سيل كهربائي في حالة العرض المسرحي الناضج ينقل التفاعل من والى خشبة المسرح حيث يستطيع المتفرج ان يرفع من شأن العرض المسرحي او يهبط به عن طريق الاستحسان او الاستهجان لهذا كله ولاسباب اخرى يشعر المتفرج في المسرح ان هذا الفن حي وانه مدعو للمشاركة الايجابية وان وجوده في القاعه شرط اساس لقيام الفن ذاته وهذا الامر لا يحدث في حالة الفلم او السمعية والمرئية.