إشكالية التوافقية في السلالم الموسيقية الشرقية
تطورت الصيغ والقوالب الموسيقية منذ القدم لتحاكي التطور الإدراكي والحسي للإنسان وما يتغير من حوله في كل مفردات الحياة والبيئة المحيطة به .........
وذلك لكون الموسيقى هي إحدى أشكال التعبير الصوتي لانفعالات وأحاسيس ومشاعر الإنسان بكل توجهاتها ومفرداتها الاصطلاحية... وهي ... أي الموسيقى المرآة العاكسة لهموم وتطلعات فرد أو مجموعة أو شعب بكامله .. وهي أداة لحث مجتمع كامل نحو أهداف وغايات أنبل واصدق .................
ومن أهم التطورات التي حدثت بعد أن قام الفنان الألماني يوهان سباستيان باخ(1685_1750) بتعديل السلم الموسيقي إلى وضعه الحالي الذي يتكون من 12 نصف تون هو دخول البولفونية إلى التأليف الموسيقي والغنائي على حد سواء . ولكي تتضح الصورة أمام القارئ فالبولفونية هي مصطلح إغريقي مكون من
,, بولو ,, بمعنى كثير أو متعدد و,, فون,, بمعنى صوت فيكون المعنى هو اللحن المتعدد المسارات او ما يعرف الآن بالهارمونية أو التوافقية وقد نجح المؤلفون الموسيقيون في الغرب بالتأليف بهذا الأسلوب نجاحا باهرا محققين الانسجام الصوتي في مزج النغمات بطرق علمية محققين الإشباع الصوتي لأذن المتلقي من خلال سماعه لأكثر من مسارين لحنيين في وقت واحد وأحيانا أكثر لرسم لوحة
متعددة الألوان في ذهن المتلقي محدثة التأثير المطلوب في إحساسه ومشاعره ومحققة للهدف الذي ينشده المؤلف .
ولكن هذا التطور الحاصل بدون توقف في نظريات الموسيقى أصبح وبالا على تطور الموسيقى العربية إذ أنها تختلف من حيث انترفالاتها الموسيقية في السلالم العربية عن انترفالات السلالم الدياتونيكية لكونها واقصد السلالم العربية تحتوي على انترفال ( بعد موسيقي ) فريد من نوعه هو ربع التون (مايسمى درجة الكار ) الذي وقف عائقا أمام مزاوجته بتون أخر من نفس سلمه الموسيقي ليحقق التوافقيه الهارمونية حسب التطور الطبيعي الذي حدث لنظريات الموسيقى ..... وفشلت كل الجهود لوضع جمل موسيقية .... مثلا في مقام السيكاه بشكل توافقي لكون النتيجة غير مقبولة لإذن المتلقي أي ما نسميه نشازا موسيقيا ... لذلك بقيت المؤلفات الموسيقية في السلالم الشرقية مونوفونية ( أي احادية اللحن ) او ذات مسار لحني واحد بشكل أدق واصح لايمكن أن تصاحبه جملة موسيقية أخرى .
وافتقرت موسيقانا العربية إلى أهم تطور موسيقي قلب نظريات الموسيقى رأسا على عقب نحو تأليف أجمل وأكثر مساحة وتعبيرا وإشباعا حقيقيا لإذن المتلقي وبقيت موسيقانا إن جاز التعبير ترسم بلون واحد تاركين الألوان المتبقية للعالم لا نستخدمها حفاظا على أصالة سلالمنا الشرقية العربية ( رغم اعتراضي المتواضع على هذه التسمية لكون اغلب أسمائها غير عربية) فتخيل سيدي القارئ الكريم
لو إننا فرضنا إن فناني الرسم العرب منذمئتي عام وهم يرسمون لوحاتهم إلى الآن بلون واحد كان يكون اللون الأزرق حتى وان تعددت مدارس رسمهم إلا أن النتيجة هي لوحات بلون ازرق فاعتقد انك
كمتلقي من اللوحة العاشرة وربما السابعة سوف تكتفي من المشاهدة لان كثرتها سوف تؤذي عينيك وإحساسك ومشاعرك ولا تضيف إليك شيئا جديدا .
وما أود أن أشير إليه هو إن عدم إمكانية إدخال التوافقية الهارمونية الى سلالمنا الشرقية هو احد الأسباب التي حالت دون تطور موسيقانا وعد تطور تراثنا الغناسيقي .. ومراوحة غناء المقام العربي في مكانه بشكل عام منذ نشأته إلى الآن على نفس المنوال لم يتغير شيئا فيه إلا تطور المكان والزمان من حوله .... وأنا هنا لست مهاجما لتراثنا الغناسيقي الغني ميلوديا ولا احد يستطيع أن ينكر ذلك...
لكنني أتطلع إلى جيل مثقف موسيقيا لا يخاف من إحداث تغيير جوهري حقيقي في إعادة دراسة نظرياتنا الموسيقية القديمة وإحداث تقدم فيها .... والى القارئ الكريم الذي يختلف معي برأيه حول هذا الموضوع أقول له بكل احترام لرأيه إن العالم اتفق على ان تردد نغمه ( لا ) هو 440 ذ / ثا إلا ان مؤتمر الموسيقى العربية الأول الذي عقد في القاهرة وحضره نخبة من موسيقيي الوطن العربي وكان فيهم الفنان المرحوم محمد القبانجي رحمه الله في وقتها لم تستطع كل الوفود العربية أن تتفق على مقدار تردد النغمات ذات الربع تون .؟؟؟؟ والى الآن كل دولة تعزفه بشكل مختلف عن غيرها ؟؟؟؟؟
فإلى متى يبقى الحال هكذا ........................