كلمة يوم المسرح العالمي للعام 2009
تم اختيار الكاتب والمخرج المسرحي البرازيلي أوجستو بوال لكتابة الرسالة الدولية لليوم العالمي للمسرح لعام 2009، والذي يحتفل به المسرحيون في العالم يوم 27 مارس من كل عام .
و أوغوستو بوال اسم عالمي يرمز للمسرح الشعبي، والمسرح المعارض، والمسرح التفاعلي، والمسرح الحواري، والمسرح التربوي، والمسرح التشريعي، والمسرح العلاجي...
يدعونا مخترع "مسرح المضطهدين" ومبتكر تلك "الشخصية" الخارجة عن المألوف التي يسميها "المشاهد الممثل" في كلمته للصعود على خشبة مسرح حياتنا وخلق عالم تنعدم فيه ثنائية الظالم والمظلوم.
كلمة اليوم العالمي للمسرح 2009
يكتبها / اوغستو بوال – رائد مسرح المقهورين
تعيش كافة المجتمعات الإنسانية حالة فرجوية في حياتها اليومية حين تعمد إلى إنتاج عروض من نوع ما في مناسباتها الخاصة، على إعتبار أن تلك الحالة الفرجوية هي شكل من أشكال التنظيم الاجتماعي المنتجة لعروض يمكن الذهاب لمشاهدتها.
بل حتى العلاقات الإنسانية تبدو مصممة على نحو مسرحي وإن لم نعي ذلك، لجهة استخدام الفضاء، ولغة الجسد ، واختيار العبارات وتنويعات الصوت علاوة على طرح الأفكار والمشاعر المتناقضة، فكل شيء يجري عرضه على الركح نحن نحياه على ارض الواقع، فكل ذلك هو مسرح.
و تمثل حفلات الزفاف ومناسبات الحداد عروضاً فرجوية هي الأخرى، مع أنها طقوس يومية ألفناها على النحو الذي لا يتيح لنا التعرف على حقيقتها تلك، تماما كما هو الحال مع طقوس الختان، وتبادل التحايا والقهوة في الصباح، ، وأشكال الحب المتردد والعواطف الجياشة ، كما هي الاجتماعات واللقاءات الدبلوماسية ..هي جميعا من صروف المسرح.
وواحدة من مهام الفن الرئيسة هي جعل الناس أكثر إحساسا بعروض الحياة اليومية التي يعتبر فيها المؤدون متفرجون أيضا، وفيها يتوافق المكان مع خشبة المسرح، فنحن جميعا فنانون، وبهذا الفعل المسرحي يمكننا أن نتعلم كيف نرى ما هو ظاهر وجلي، مما لا نراه في حقيقة الأمر ، فقط لاننا اعتدنا النظر اليه، فكل ما يغدو مألوفا للنظر يصبح أمراً غير مرئي ..وبتقديم العروض المسرحية نحن نلقي بمزيد من الضوء على منصة الحياة اليومية.
لقد أدهشنا في سبتمبر الماضي ذلك الانكشاف المسرحي ، نحن الذين كنا نعتقد بأننا نعيش في عالم آمن، بالرغم من أشكال الحروب والمجازر وصنوف التعذيب التي تحدث بالفعل لكنها في مواقع نائية وبعيدة عنا..نعم ، نحن الذين ننعم بالحماية بواسطة أموالنا المستثمرة في بعض البنوك او لدى بعض الشركات المعتبرة في أسواق المال استفقنا أخيراً لنجد أن تلك الأموال أصبحت هباء منثورا ، مجرد أشياء افتراضية لا وجود لها، مجرد اختراع وهمي ابتكره الاقتصاديون غير الوهميين طبعا، وغير الجديرين بالثقة والاحترام.
كان كل شيء يشبه عرضاً مسرحياً رديئاً، مخطط أسود يربح فيه القلة من الناس الكثير الكثير فيما يخسر الكثرة منهم كل ما يملكون..فيه ينشغل مسؤلوا الدول الغنية بعقد الاجتماعات السرية لإيجاد حلول سحرية بينما نبقى نحن ضحايا تلك القرارات نمارس دور المتفرج في الصفوف المتأخرة من تلك المنصة.
قبل عشرين سنة أخرجت عرضاً مسرحياً بعنوان “فيدرا “ في ريو دي جانيرو، كانت تجهيزات المسرح فقيرة جداً اقتصرت على جلود البقر الملقاة على الارض ، ومن حولها بعض عيدان الخيزران ، وقد اعتدت أن أخاطب الممثلين قبل كل عرض بالقول أن الحكاية التي كنا نختلق احداثها يوما بعد يوم قد انتهت وأنه لا يحق لأحد أن يكذب حالما يعبر بين تلك الخيزرانات ، فالمسرح هو تلك الحقيقة المخبوءة.
إننا حين ننظر إلى ما وراء الظاهر من الأشياء ، سنجد أشخاصا قاهرين ومقهورين في كل المجتمعات والجماعات الاثنية، وفي كل الطبقات والتصنيفات الاجتماعية ، سنرى عالماً قاسياً وظالماً وعلينا أن نسعى لإيجاد عالم بديل لأننا نعلم بأن ذلك ممكن، وذلك رهن ارادتنا متى ما اردنا أن نبني هذا العالم بأيدينا ، ومن خلال نشاطنا (الأداء) على خشبة المسرح ، ومسرح حياتنا الخاصة.
فلنشارك في هذا العرض الذي يوشك أن يبدأ ، وفي حال عودتكم إلى منازلكم ، مارسوا تمثيل عروضكم الخاصة مع أصدقائكم لتدركوا تلك الاشياء التي لم تكونوا قادرين من قبل على رؤيتها لمجرد أنها واضحة كوضوح الشمس ، فالمسرح ليس مجرد حدث نعايشه بل هو أسلوب وطريقة حياة.
إننا جميعا مؤدون، فأن تكون مواطناً لا يعني مجرد العيش في كنف مجتمع ما، وإنما يعني السعي الى تغييره.