سطوعُك الأبديّ
(إلى أحمد آدم.. كل مناسبة وغيرها)*
في الطريق اليك شاهدتُ اصبعكَ تضغط زهرةً في شجرةِِ عنب، كان لونُها يتّسع ويتغيّر، كان دمٌ قليلٌ يملأ القصبَ بملح شهوتك عن السؤال والكتابة، يملأ ذاكرتي بما رأيت وما لم أرَ عن حياتك وسجاياك، كلُّ بِركةٍ فيها أنينٌ متفحمٌ من فؤادِك ورغبتِك وقصيدتِك.. لكنَّ المدينةَ تضحك .
.......
لكَ المدينةُ بفضّتها وحرسِِها، متحفِها وسرّ العجب في تأويل أحلام أبنائها الكثيرين، قصيدةُ الفتى لكَ ومنشفةُ الفتاةِ وعطرُها، لكَ سعةُ الفضاء الأحمر، مكوثـُه على جسدِك من أولِ ضوء الى آخر بابٍ وظلّ، من حيث يدخل الحرفيون همْ وتعرّقُ نقودِهم وسلالُ نسائهم وما يكتنز في نفوسِهم من سحرٍ وأحلامٍ، لكََ أيضاً حفلةُ الأصدقاء فأنتَ لونُها ورقصتُها وسحرُها وأنتَ مسرحُ الليلِ وكبدُهُ، الذي خمراً يكرعُ وأحلاماً صدئةً يكسر، حتى تفيض المعاني البتول وحتى لا تولد نشوةٌ إلا وكانت راعيةً لمحيطِ جلستِك وبهائها.
....
عيني وهي تدخل على رائحتِك كانت ترتعد وكنتَ غائراً في برودةِ الليل وكان الليلُ حاويةَ موتٍ، لكنَّ قلبَك يتحدث بنَهمٍ عن الأطفال وهم يمرقون عبر المزارع حيث تعلقُ الخضرةُ بأفكارِِهم الى المدرسة بينما فمي يتلكأ في سماء وجهك.
.....
شجرةُ العنب أبتعدتْ واصبعك ظلَّت تضغط على الزهرة وظللتُ أصفُك وأستدلُّ على صوتك واتساع عينيك، لكنّ كلمةً واحدةً رعَتْ كلماتٍ كثيرةً ووضَعَتْ صورها في معنيين، معناك ومعناي فيك، مارأيتك في الخيال ومارأيتك في البِرْكة.
.....
الخيالُ لكَ، الخيالُ أهلُك وصاحبتُك، ريشُ فكرتِك وأصلُك وهو بالفطرة بيتُ روحِك وريشٌ لمضجعك أيضاً وأينما تلمَّستْ يدُك برودةَ الذهب وأينما ذهبَ ديدنُ رغبتِك وجدَ عطراً وشعراً وفاكهةً، وجدَ فتنةً من العسل والضحك والقبول حتى يتفتح في روحك صهيلٌ ًبريٌ لا ينتهي.
.....
حين نظرتُ صوبَك رفعتَ أزميلَك وقلتَ: ما من ترابٍ وماء يقبلان كلماتي. ها أنت تفتح سرَّ غيابِك فيجدك وحدَك ما من أحدٍ يسكن مسكنَك وما من فكرةٍ تشبه فكرتَك، حياتُك باذخةٌ، حلمٌ لمن يحلمُ ورغبةٌ لكلِّ طمعٍ وشهيةٍ وحرمانٍ.
....
الحياةُ لك، أوقفتَ صوتَك فيها بالذاكرة بالنياشين ونحن نكبر ونكذب كي نعرفَ حياتَنا وأنت يانعٌ فينا وآمنٌ منّا، مِِن رهبةِِ موتٍ آخر، من اللغو ومن غصنٍ مريضٍ يذبل على حوافِّ قلبك، من خريفٍ ظلّتْ أصابعُهُ تلقِّن أوراقك ما لم يدركه أحدٌ قبلك، فقد آن لك أن تستردَّ سماءك، أن تستردَّ قصيدتك، تستردَّ وردتَك، تستردَّ زمانَك، كلَّ زمنٍ فيه وكلَّ زمنٍ لستَ فيه .
........
هناك عندما وصلتُ واشتدَّ لمعانُ الشارعِ حيث كنتَ ترقد صارت غرفتُك فكرتي وحائطُ بيتِك ثقيلاً ومفعماً بالوحشة، صار النهارُ حاويةَ موتٍ، وقلبي الذي بالكاد يسع معنى غيرَ اسمِك ظلَّ يتحدث عنك بنهم وأنت تمرق عبر مزارع الليل حيث يعلق البياضُ بأفكارك من شدّة الحب الى حياتي وقد نسيتُ قليلاً ثم بهتُّ لأنه آن لي أن أستردَّ سماءك أن أستردَّ قصيدتَك أن أستردَّ وردتَك أن أستردَّ زمانَك كلَّ زمنٍ صرتَ فيه وكلَّ زمنٍ لستَهُ .
***
• (الشاعر احمد آدم كان ضحية العنف الطائفي
الذي استفحل في العراق قبل عامين
وقد وجدت جثته في بركة تحت احد الجسور جنوب بغداد)