شاب قادم من كربلاء إلى الديوانية في أوائل الستينيات يحمل معه آلته الموسيقية وقلبا يحمل أحلاما لاحدود لها متمنيا أن يحققها في مدينة لم تعرف الموسيقى بشكلها الأكاديمي قبل أن يصل إليها ..... ذلك الشاب في وقتها هو فناننا الكبير سالم عبد عون القصاب الذي تتلمذ على يد البروفسور ( ساندو البو )الذي استقدمته وزارة المعارف في حينها ليدرس الموسيقى في معهد الفنون الجميلة في بغداد ..... وقد سمع سالم القصاب بهذا البروفسور فقرر أن يذهب في وقتها من كربلاء إلى بغداد ليأخذ دروسا في العزف على آلة الكمان على يد هذا البروفسور ..... خدم سالم القصاب في التعليم في الديوانية طويلا وقدم العديد من الاوبريتات والأناشيد والمسرحيات الغنائية وحصل في اكثر من مرة على مراكز متقدمة وخرج من النشاط المدرسي في عام 2006 حاملا معه جائزة أفضل أنشودة على مستوى مديريات التربية في العراق وفاز بالمركز الأول بها معلنا تقاعده عن العمل ... عرفته وأنا في سن الثامنة من عمري تقريبا وأنا اذهب مع أبي لحضور حفلات الفرقة الموسيقية للنشاط المدرسي التي كان والدي عضوا فيها ويترأسها الكبير سالم القصاب وقد كنت أخشى الاقتراب منه لصرامته وانضباطه الدقيق في التعامل مع أعضاء الفرقة الموسيقية... كان ولا يزال دقيقا في الوقت عصبيا من أي خطا يقع يحاول جهد الإمكان أن تكون كل الأمور دقيقة كساعة بيغ بن التي اسمع كثيرا عن مدى انضباط عقاربها ..... لذلك أطلقت على فناننا الكبير مصطلح ( مترو نوم ) وهو آلة تستخدم لضبط سرعة عزف مقطوعة موسيقية وتنظيم المجموعة في زمن ثابت لا تقبل الخطأ ..... وشرفني القدر أن اعمل معه في كثير من أعماله الموسيقية وتعلمت منه الكثير ..... وفي الحقيقة هناك الجوانب الكثيرة التي يمكن أن يكتب عنها كل من عايش هذا الفنان.. ... الفنية ... التربوية ..الإنسانية وهناك الكثير من انجازات هذا الرجل الفنان منها على سبيل الذكر لا الحصر انه أسس جيلا كاملا من الموسيقيين وانه أول من أسس فرقة موسيقية في الديوانية وانه أول من لحن الاوبريت في سنة 61 وقد سجله للإذاعة والتلفزيون في حينها وانه مؤسس لنقابة الفنانين وانه أول من ادخل الآلات الكهربائية إلى الفرقة الموسيقية في الديوانية وهو من عمل جاهدا لتغيير نظرة المجتمع الديواني إلى الفنان لجعلها نظرة احترام وإجلال وقد اثر في الكثير من البيوتات الديوانية إلى حد إن الكثير من شابات الديوانية وشبابها قد أكمل دراسته في معهد الفنون الجميلة في بغداد بتأثير مباشر وغير مباشر من هذا الفنان الكبير ...... والكثير الكثير لا مجال لذكرها هنا لكني وجدت انه من الواجب علينا أن نذكر شيئا بسيطا من تاريخ هذا الرجل فناننا الكبير وأتمنى أن ينصفني الوقت لأتمكن من جمع وتوثيق وكتابة تاريخ فنانينا الموسيقيين في الديوانية ليعرف من يأتي بعدنا شيئا عن تاريخ الحركة الموسيقية الحديثة بشكلها الستيني إلى وقتنا الحالي .... أتمنى دوام الصحة والعافية لأستاذنا الكبير سالم القصاب وأرجو أن أكون قد قدمت معلومة بسيطة متواضعة إلى قرائنا الكرام عن عملاق جاهد في زمن صعب للارتقاء بواقع مدينتنا الفني الثقافي