مدير المنتدى Admin
عدد الرسائل : 30 رقم العضوية : 1 تاريخ التسجيل : 01/12/2008
| موضوع: الجندي 69 قصة قصيرة لفاضل سالم الأربعاء 10 ديسمبر 2008, 00:34 | |
| الجندي 69... قصة قصيرة
حين وطأ بقدميه الارض احس باستقامة جسده، قوامه بدا على غير عادته، كان جسده محنيآ في زمن الحرب، لم يطأ بقدميه غير الاشياء الهشة، الرمال، الاوحال، الثلوج، هو كذلك كان هشآ، ذاكرته، احلامه، هكذا الانسان في زمن الحرب لاشىء سوى ذلك . كيسه المغبر يحمل رقمه وعنوانه العسكري، لم يناده احد ما بأسمه كان ينادى برقمه اسمه صار رقمآ. في زمن الحرب يصير الانسان رقمآ في طوابير الموت هي هكذا الحرب اللعينة .حمل كيسه وسار بخطوات وئيدة، خيوط الشمس الذهبية تسللت الى سحنته السمراء لم يتجنبها بكفيه كما كان يفعل في زمن الحرب، تحرك شىء ما في داخله، استقامة جسده لازالت كما هي, قوامه بدا على غير عادته تحركت الاشياء التي في كيسه وهي ترتطم بقفاه، صورة والدته عانقت رغيف الخبز المتعفن، شفرات الحلاقةلاصقت الساعة ورميا بثقليهما على الاعشاب البرية، خرق بالية تحيط بكل هذه الاشياء .اليوم كل شيء مختلف تمامآ لم تعد خيوط الشمس الذهبية تقلق عيناه لم يمرق شبح الموت من امامهما، يلتفت يمينآ وشمالآ دون حذر فليس ثمة رصاص طائش، لم يعد يخالجه ادنى شك ان مامن شيء سيكون صعبآ مادامت الحرب قد انتهت. بخطواته الوئيدة سار بعكس تجاه المارة، اغمض عينيه، استنشق الهواء، سيناديه احدهم بأسمه فلم يعد للحرب وجود، سيتوغل في عمق المدينة ستمتزح انفاسه بانفاسهم . وضع كيسه على الاسفلت فهوت الساعة على صورة والدته رغيف الخبز صار قطعآ صغيرة، شفرات الحلاقة اغتالت احلام الاعشاب البرية .ركل الاسفلت باقدامه، لم يزل جسده مستقيمآ وان قوامه بدا على غير عادته . حمل كيسه وسار بخطوات وئيدة فصار رغيف الخبز كالرمل، ودثرت الخرق البالية صورة والدته كما فاحت رائحة عطرة من الاعشاب البرية وهي تلفظ انفاسها الاخيرة . - 69 !! 69 هل لي بسؤال ؟ هكذا اتاه الصوت من خلفه لم يتوانى عن التوقف فاستدار بكامل جسده ونحى الكيس عن كاهله ووضعه على الاسفلت والتقت عيناه بعيني صبي ذي شعر اشعث، كل ما يرتديه كانت اسمالآ حذاؤه مرتقة الجوانب وقال : - دون ادنى شك - الكيس يحمل الرقم 69 ماكان لي الا ان اناديك هكذا - حسنآ كل ما اتمناه ان لاتلصق الرقم بي تماماً - اذا ساناديك الجندي 69 !! - الجندي والرقم 69 يعبران في تقديري عن شيء واحد سحب الجندي 69 كيسه واقترب من الصبي واقترح عليه الجلوس على مصطبة كانت قريبة منهما، وافق الصبي في الحال واتجها نحو المصطبة وجلسا متلاصقين حينها امعن الصبي النظر في الكيس وأخذ يمسح الرقم بكفه وقال: - الحرب انتهت اليس كذلك ؟ - وهل يصعب عليك تصديق ذلك ؟ - ربما ! لكن حرب الارقام لم تنتهي بعد ستأخذ بالازدياد بعد زمن الحرب - هذا يعني انك ستلصق الارقام بالكثير كما فعلت معي - اووه لم اقصد ذلك ! لكن هذا مايحدث، لابد ان الكيس يحتوي على اشياء عدة من زمن الحرب !! - صورة والدتي، رغيف خبز متعفن، ساعة عاطلة، اعشاب برية، شفرات حلاقة، خرق بالية، اشياء هشة تمامآ - رائع، بامكاني اعطاؤك قطعة صغيرة من الثلج انها ليست هشة تمامآ ..فانا ثلاج - كثيرا ماصادفتنا الثلوج في زمن الحرب كانت تذوب تحت اقدامنا وعند حلول الربيع كانت تذوب فتذوب معها اثار اقدامنا كما تذوب معها الارقام تباعآ فتصير الثلوج الذائبة حمراء اللون - عذرآ وهل تشمل الهشاشة صورة والدتك ؟ - يحدث هذا في زمن الحرب ... فليس بمقدور الانسان ان يفك رموز الاحاسيس بالسهولة المتوقعة . لم يكن بتلك السهولة ان ادرك تمامآ ماتعنيه نظراتها وانا اعيش لحظة موت ولحظة حياة، كنت وعندما يناديني احدهم برقمي سرعان ما اتذكر انه لايعني لها شيئآ وكذلك الحال بالنسبة لي لكن الرقم الذي يعنيها هو الرقم واحد فانا ابنها الوحيد تنهد الجندي 69 وساد المكان صمت تقطعه اصوات المارة وبدا الصبي متشوقآ لما سيفعله الجندي، الذي غاصت يداه في داخل الكيس باحثآ عن الصورة، انتشلها من بين الاشياء ونكث عنها بعض فتات رغيف الخبز حينها قال الصبي: - هل لي بمشاهدتها ؟ قدم الجندي الصورة للصبي واقترب رأسه من رأس الصبي وراحا يطالعانها بصمت عند ذلك قال الصبي - ان لها عينين واسعتين، كما ان انفها مشابه تمامآ لانفك، هل احتفظت بالصورة من زمن الحرب - هي معي دائمآ ..ها .. كيف حال العمل معك ؟ - انا استيقظ من ساعات الفجر الاولى حتى ساعات متأخرة من الليل، لم يعد الزمن يعنيني كساعتك التي في الكيس - عثرت عليها في كيس، كما عثرت على الاشياء الاخرى في اكياس لم تعد ارقامها تعني شيئآ - لاشك انها تحتفظ بذكرى دورانها المضني بحثآعن الزمن - عندما يتوقف الزمن في مكان ما فانه يتحرك في مكان اخر - في زمن الحرب نحتاج لمن يعيد لذاكرتنا المعطوبة حيويتها انها تنفر عنا بمجرد اقترابنا منها ان تدويرة وجهها تزيل العوائق التي تقف في طريق ذاكرتي فتعيدني الى الوراء قليلآ. قال الصبي هذا دون ان يفارق الصورة حينئذ قال الجندي : - تقصد زمن ماقبل الحرب ! ! تنهد الصبي وراح يحرك سبابته بغضب على الرقم 69 الذي على الكيس وقال : - منذ ان لصقت الحرب اللعينة الارقام على اسمائنا - حسنآ يجب ان اذهب الان، قال الجندي 69 هذا وتناول كيسه فجأة وظلت سبابة الصبي معلقة في الهواء وقال : - اجل لدي مااقوم به خذ الصورة، بلغها تحياتي. نهض الاثنان من مكانهما، وحمل الجندي 69 كيسه من جديد فغطت القطع الصغيرة للرغيف المتعفن الاعشاب البرية، وانزوت الساعة داخل الخرق البالية، شفرات الحلاقة تشبثت على جدار الكيس، وظلت الصورة في كف الجندي الذي قال : - حسنآ سنلتقي قريبآ في المرة القادمة وعندما نلتقي سوف لن نتكلم عن زمن الحرب، وداعآ سار الجندي 69 حاملآ كيسه بعكس تجاه المارة، ركل الاسفلت بقدميه فاحس باستقامة جسده، وبدا قوامه على غير عادته، سيناديه احدهم باسمه مادامت الحرب اللعينة قد انتهت 69 ! ! 69 مارايك بقطعة من الثلج انها ليست هشة تمامآ هكذا ناداه الصبي من جديد فاستدار الجندي 69 بكامل جسده دون ان ينزل الكيس وقال : - كل مارجوه ان لاتلصق الرقم بي تمامآ سأخذها في المرة القادمة وداعآ عاد الجندي للسير بخطواته التي بدأت تتسارع حاملآ كيسه والصورة تتقلب بين كفيه وامتزج وقع اقدامه مع اقدام المارة فاتاه الصوت من جديد : !!69 !!69 !!69 بامكانك السؤال عني في ملجأ الايتام سأكون عند السرير 69 | |
|
رحيم كميل عضو فعال
عدد الرسائل : 63 تاريخ التسجيل : 06/12/2008
| موضوع: رد: الجندي 69 قصة قصيرة لفاضل سالم السبت 13 ديسمبر 2008, 20:26 | |
| جهد مشكور لاخراج هذه القصه الى ارض الواقع ننتظر المزيد | |
|
علي الساهر عضو مشارك
عدد الرسائل : 6 العمر : 46 تاريخ التسجيل : 15/12/2008
| موضوع: رد: الجندي 69 قصة قصيرة لفاضل سالم الإثنين 15 ديسمبر 2008, 04:32 | |
| فاضل كان وما زال مبدع دائم
تحياتي للاستاذ الرائع
فاضل السالم | |
|